هل يمكن ان نغفر لمن اساء الينا ؟
اليكم هذه القصة :
خرج عامل فقير في الصباح الباكر يسعى من أجل لقمة العيش له ولأولاده الصغار. وظل يعمل من الصباح وحتى غروب الشمس وفي المساء عاد الرجل متعبا يجر ساقيه حينا ويجلس على حافة الطريق حيناً ليريح قدميه المجهدتين وأراد أن يختصر الطريق فاتجه إلى الممر المظلم بين اسطبلات الخيل التي يملكها أغنى أغنياء المدينة وفي داخل الممر المظلم أدركه الإعياء فأسند جسده النحيل إلى الحائط ووقف يلتقط أنفاسه اللاهثة بصعوبة بالغة وبينما هو على هذه الحال فاجأه صوت أجش يصرخ صرخات مرعبة والتف حوله عدد من الحراس الأقوياء الذين طرحوه أرضاً وانهالوا عليه ضرباً وتعذيباً وسمع الرجل الغني يزمجر ويهدد ويتهمه بسرقة الخيول ويتوعده بشر العقاب وحاول الفقير المسكين أن يرد الاتهام عن نفسه دون جدوى فقد كان صوته واهناً ضائعاً وصوت الحراس قوياً متجبراً فاستسلم لصفعاتهم ودفعاتهم لجسده المنهك ,والحق يقال لقد كان شكل الرجل مثيراً للريب فشعره معفر بالتراب وخطواته بطيئة وهو يسير في الظلام يحمل فأساً في ساعة متأخرة من الليل وهذه جميعها لابد أن تثير حوله الشكوك .
قال له الغني في قسوة بالغة : لابد أن أجعلك عبرة لكل اللصوص ثم أمر أن تقطع يده وبالطبع فقد حاول الفقير أن يسترحم الغني أو يسترق قلبه قائلاً : إن الفقراء لا يملكون غير أيديهم التي هي عدتهم ومؤهلاتهم ووسيلتهم لكسب العيش وهي رأس مالهم وخزانتهم وقوت ابنائهم
لكن الغني لم يرحم وتجرع الرجل آلامه وسلم لله أمره فيما أصابه ومن غير الله عزاء للمقهورين؟
حين انقطع رزق الرجل كعامل في المدينة هجر كوخه وانتقل مع زوجته وأولاده ليحيا في الصحراء يرعى بعض الماعز عند سفح الجبل ويحيا حياة ضيقة تتناسب وعجزه .
ومرت سنوات كثيرة وبينما كان الرجل الفقير جالساً أمام الكهف الذي يأويه فوجئ بالرجل الثري يسير في ظلام الليل تحت حضن الجبل تائهاً مجهداً بعد أن ضل الطريق وابتعد عن خيله وحراسه فأسرع إليه وأمر زوجته بإعداد الطعام وتهيئة مكان للمبيت واعتذر للغني عن رقة حاله وقلة طعامه وترك الغني وانصرف ليبيت أمام الكهف ,وفي الصباح قام الغني واغتسل وتناول الطعام الذي قدم إليه وخرج يُحي صاحب الدار ويشكره لما فعل ووقف الفقير أمامه ورفع يده يرد التحية فاذا باليد المرفوعـة بلا كف وهنا تداعت الصور القديمة في عقل الغني الذي تذكر كل شيء عن مضيفه فامتقع وجهه وخاف وارتعب وقال الفقير في هدوء لا تضطرب يا سيدي فلم أكن أود أن أزعجك بتذكري فأنا رجل أعرف الله .
من الصعب ان يغفر الانسان لمن يسئ اليه او يضر به او بمصالحه او بكرامته وحين يعجز الانسان عن الانتقام المباشر يؤجله الى حين يستطيع ويظل حاملا غيضه وحنقه حتى يتمكن من الانتقام واذا كنا لا نستطيع ان نقدم على الانتقام من الشخص المعني فاننا نقوم بالتحريض عليه او التشهير به او الدعاء عليه لنستمطر غضب السماء عليه .
كم الاحوج بنا ان نكون ونتصرف بموقف الرجل الفقير كي نستطيع ان نغفر لمن اساء الينا .
{{اللهم اغفر لمن أساء لي وألهم من أسأت إليه أن يغفر لي }}